كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فلما كشف الله تعالى عنهم المطر لم ينزعوا عن كفرهم وأقاموا على أخبث ما كانوا عليه، فلما رأى ذلك إلياس دعا ربه أن يريحه منهم، فقيل له: انظر يوم كذا وكذا فاخرج فيه إلى موضع كذا فما جاءك من شيء فاركبه ولا تهبه، فخرج إلياس ومعه اليسع حتى إذا كانا بالموضع الذي أمر به أقبل فرس من نار، وقيل: لونه كلون النار حتى وقف بين يديه فوثب عليه إلياس وانطلق به الفرس وناداه اليسع: يا إلياس ما تأمرني؟ فقذف إليه بكسائه من الجو الأعلى فكان ذلك علامة استخلافه إياه على بني إسرائيل، وكان ذلك آخر عهده به ورفع الله تعالى إلياس من بين أظهرهم وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وكساه الريش، فكان إنسيًا ملكيًا أرضيًا سماويًا، وسلط الله تعالى على لاجب الملك وقومه عدوًا لهم فقصدهم من حيث لم يشعروا به حتى أرهقهم فقتل لاجب وامرأته إزميل في بستان مزدكي فلم تزل جيفتاهما ملقاتين في تلك الجنينة حتى بليت لحومهما ورمت عظامهما، ونبأ الله تعالى اليسع وبعثه رسولًا إلى بني إسرائيل فأوحى الله تعالى إليه وأيده، فآمنت به بنو إسرائيل وكانوا يعظمونه، وحكم الله تعالى فيهم قائم إلى أن فارقهم اليسع.
روى السري بن يحيى عن عبد العزيز بن أبي رواد قال: إلياس والخضر يصومان رمضان ببيت المقدس ويوافيان موسم الحج في كل عام، وقيل: إن إلياس موكل بالفيافي والخضر موكل بالبحار فذلك قوله تعالى: {وإن إلياس لمن المرسلين}.
{إذ} أي: اذكر يا أفضل الخلق إذ {قال لقومه ألا تتقون} أي: ألا تخافون الله.
ولما خوفهم على سبيل الإجمال ذكر ما هو السبب لذلك التخويف بقوله تعالى: {أتدعون بعلًا} اسم لصنم لهم من ذهب وبه سميت البلد أيضًا مضافًا إلى بك أي: أتعبدونه أو تطلبون الخير منه، وقيل: البعل الرب بلغة اليمن سمع ابن عباس رجلًا منهم ينشد ضالة فقال آخر: أنا بعلها فقال: الله أكبر وتلا الآية، ويقال: من بعل هذه الدار أي: من ربها، وسمي الزوج بعلًا لهذا المعنى قال الله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن}.
وقالت امرأة إبراهيم {وهذا بعلي شيخًا} والمعنى: أتدعون بعض البعول {وتذرون} أي: وتتركون {أحسن الخالقين} فلا تعبدونه، وقرأ ابن ذكوان بهمزة الوصل من إلياس في الوصل فإن ابتدأ بها ابتدأ بفتحها، والباقون بهمزة مكسورة وصلًا وابتداء وقوله تعالى: {الله ربكم ورب آبائكم الأولين} قرأه حفص وحمزة والكسائي بنصب الهاء من الاسم الكريم ونصب الباء الموحدة من ربكم ورب وذلك إما على المدح أو البدل أو البيان إن قلنا إن إضافة أفعل إضافة محضة، والباقون بالرفع في الثلاثة وذلك إما على خبر مبتدأ مضمر أي: هو الله وعلى أن الجلالة مبتدأ وما بعده الخبر.
أي: في العذاب وإنما أطلقه اكتفاء بالقرينة أو لأن الإحضار المطلق مخصوص بالشر عرفًا وقوله تعالى: {إلا عباد الله المخلصين} أي: المؤمنين مستثنى من فاعل فكذبوه، وفيه دلالة على أن في قومه من لم يكذبه، فلذلك استثنوا ولا يجوز أن يكونوا مستثنين من ضمير لمحضرون لفساد المعنى؛ لأنه يلزم أن يكونوا مندرجين فيمن كذب لكنهم لم يحضروا لكونهم عباد الله المخلصين وهو بين الفساد لا يقال: هو مستثنى منه استثناء منقطعًا؛ لأنه يصير المعنى: لكن عباد الله المخلصين من غير هؤلاء لم يحضروا، ولا حاجة إلى هذا إذ به يفسد نظم الكلام وتقدم الكلام على قراءة المخلصين في أول السورة.
{وتركنا عليه في الآخرين} ثناء حسنًا.
{سلام} أي: منا، وقوله تعالى: {على إل ياسين} قرأه نافع وابن عامر بفتح الهمزة ممدودة وكسر اللام وقطعها عن الياء كما رسمت أي: أهله والمراد به إلياس، والباقون بكسر الهمزة وسكون اللام وهي مقطوعة عن الياء قيل: هو إلياس المتقدم، وقيل: هو ومن آمن معه فجمعوا معه تغليبًا كقولهم للمهلب وقومه: المهلبون، وقيل: هو محمد صلى الله عليه وسلم أو القرآن أو غيره من كتب الله تعالى، قال البيضاوي: والكل لا يناسب نظم سائر القصص ولا قوله تعالى: {إنا كذلك نجزي المحسنين} أي: كما جزيناه.
{إنه من عبادنا المؤمنين} إذ الظاهر أن الضمير لإلياس.
القصة الخامسة قصة لوط عليه السلام المذكورة في قوله تعالى: {وإن لوطًا لمن المرسلين} {إذ} أي: واذكر إذ {نجيناه وأهله أجمعين} {إلا عجوزًا في الغابرين} أي: الباقين في العذاب.
{ثم دمرنا} أي: أهلكنا {الآخرين} أي: كفار قومه.
{وإنكم} يا أهل مكة {لتمرون عليهم مصبحين} أي: على منازلهم في متاجركم إلى الشام فإن سدوم في طريقه، وقوله تعالى: {وبالليل} عطف على الحال قبلها أي: ملتبسين بالليل والمعنى: أن أولئك القوم كانوا يسافرون إلى الشام، والمسافر في أكثر الأمر إنما يمشي في أول الليل وفي أول النهار فلهذا السبب عبر الله تعالى عن هذين الوقتين ثم قال تعالى: {أفلا تعقلون} أي: أليس فيكم عقل يا أهل مكة فتنظروا ما حل بهم فتعتبروا؟
القصة السادسة: وهي آخر القصص، قصة يونس عليه السلام المذكورة في قوله تعالى: {وإن يونس لمن المرسلين} وقوله تعالى: {إذ أبق} ظرف للمرسلين أي: هو من المرسلين حتى في هذه الحالة وأبق أي: هرب وأصله الهرب من السيد لكن لما كان هربه من قومه بغير إذن ربه حسن إطلاقه عليه.
{إلى الفلك المشحون} أي: السفينة المملوءة، قال ابن عباس رضي الله عنهما ووهب: كان يونس وعد قومه العذاب فتأخر عنهم فخرج كالمنشوز منهم فقصد البحر فركب السفينة، فقال الملاحون: هاهنا عبد آبق من سيده فاقترعوا فوقعت القرعة على يونس، فقال يونس: أنا الآبق فزج نفسه في البحر.
وروي في القصة: أنه لما وصل إلى البحر كانت معه امرأته وابنان له فجاء مركب وأراد أن يركب معهم فقدم امرأته ليركب بعدها فحال الموج بينه وبين المركب ومر المركب، ثم جاءت موجة أخرى فأخذت ابنه الأكبر، وجاء ذئب فأخذ ابنه الأصغر فبقي فريدًا، فجاءت مركب أخرى فركبها وقعد ناحية من القوم، فلما جرت السفينة في البحر ركدت فقال الملاحون: إن فيكم عاصيًا وإلا لم يحصل وقوف السفينة كما نراه من غير ريح ولا سبب ظاهر فأقرعوا فمن خرجت القرعة على سهمه نغرقه فإن تغريق واحد خير من غرق الكل فاقترعوا فخرجت القرعة على يونس فذلك قوله تعالى: {فساهم} أي: قارع أهل السفينة {فكان من المدحضين} أي: المغلوبين بالقرعة فألقوه في البحر.
{فالتقمه} ابتلعه {الحوت وهو مليم} أي: آت بما يلام عليه من ذهابه إلى البحر وركوبه السفينة بلا إذن من ربه وقيل: مليم نفسه.
{فلولا أنه كان من المسبحين} أي: الذاكرين قبل ذلك وكان عليه السلام كثير الذكر، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: من المصلين، وقال وهب: من العابدين، وقال الحسن: ما كان له صلاة في بطن الحوت ولكنه قدم عملًا صالحًا، قال الضحاك: شكر الله تعالى له طاعته القديمة، اذكر الله في الرخاء يذكرك في الشدة، فإن يونس كان عبدًا صالحًا ذاكرًا لله تعالى فلما وقع في الشدة في بطن الحوت شكر الله تعالى له ذلك، وقال سعيد بن جبير: يعني قوله: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}.
{للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} أي: صار بطن الحوت له قبرًا إلى يوم القيامة وهو حي أو ميت وفي ذلك حث على إكثار الذكر وتعظيم لشأنه ومن أقبل عليه في السراء أخذ بيده في الضراء.
{فنبذناه} أي: ألقيناه من بطن الحوت فأضاف النبذ إلى نفسه سبحانه مع أن النبذ إنما حصل بفعل الحوت فهو يدل على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى: {بالعراء} أي: بوجه الأرض، وقال السدي: بالساحل والعراء الأرض الخالية من الشجر والنبات، روي أن الحوت سار مع السفينة رافعًا رأسه يتنفس فيه يونس ويسبح الله تعالى حتى انتهى إلى الأرض فلفظه.
تنبيه:
اختلفوا في مدة لبثه في بطن الحوت فقال الحسن: لم يلبث إلا قليلًا ثم أخرج من بطن الحوت، وقال بعضهم: التقمه بكرة ولفظه عشية، وقال مقاتل بن حبان: ثلاثة أيام، وقال عطاء: سبعة أيام، وقال الضحاك: عشرين يومًا، وقيل: شهرًا، وقيل: أربعين يومًا، قال الرازي: ولا أدري بأي دليل عينوا هذه المقادير؟ وروى أبو بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: سبح يونس في بطن الحوت فسمع الملائكة تسبيحه فقالوا: ربنا إنا نسمع صوتًا ضعيفًا بأرض غريبة فقال تعالى: ذاك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر، قالوا: العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه كل يوم وليلة عمل صالح، قال: نعم فشفعوا له فأمر الحوت فقذفه بالساحل.
وروي أن يونس عليه السلام لما ابتلعه الحوت ابتلع الحوت حوت آخر أكبر منه فلما استقر في جوف الحوت حسب أنه قد مات فحرك جوارحه فتحركت فإذا هو حي فخر لله تعالى ساجدًا وقال: يا رب اتخذت لي مسجدًا لم يعبدك أحد في مثله {وهو سقيم} أي: عليل كالفرخ الممعوط.
{وأنبتنا عليه} أي: له وقيل: عنده {شجرة من يقطين} قال المبرد والزجاج: اليقطين كل ما لم يكن له ساق من عود كالقثاء والقرع والبطيخ والحنظل وهو قول الحسن ومقاتل، قال البغوي: المراد هنا القرع على قول جميع المفسرين، وروى الفراء أنه قيل عند ابن عباس: هو ورق القرع فقال: ومن جعل القرع من بين الشجر يقطينًا كل ورقة انشقت وشربت فهو يقطين.
فإن قيل: الشجر ما له ساق واليقطين مما لا ساق له كما قال تعالى: {والنجم والشجر يسجدان}.
أجيب: بأن الله تعالى جعل لها ساقًا على خلاف العادة في القرع معجزة له عليه السلام ولو كان منبسطًا على الأرض لم يمكن أن يستظل به قال مقاتل بن حبان: كان يونس عليه السلام يستظل بالشجرة وكانت وعلة تختلف إليه فيشرب من لبنها بكرة وعشيًا حتى اشتد لحمه ونبت شعره.
وروي أن يونس عليه السلام كان يسكن مع قومه فلسطين فغزاهم ملك وسبى منهم تسعة أسباط ونصفًا وبقي سبطان ونصف، وكان قد أوحى الله تعالى إلى بني إسرائيل إذا أسركم عدوكم أو أصابتكم مصيبة فادعوني أستجب لكم، فلما نسوا ذلك وأسروا أوحى الله تعالى بعد حين إلى نبي من أنبيائهم أن اذهب إلى ملك هؤلاء الأقوام وقل له: يبعث إلى بني إسرائيل نبيًا، فاختار من بني إسرائيل يونس عليه السلام لقوته وأمانته فقال يونس: الله أمرك بهذا؟ قال: لا ولكن أمرت أن أبعث قويًا أمينًا وأنت كذلك، فقال يونس: في بني إسرائيل من هو أقوى مني فلم لم تبعثه؟ فألح الملك عليه فغضب يونس منه وخرج حتى أتى بحر الروم فوجد سفينة مشحونة فحملوه فيها فلما أشرف على لجة البحر أشرفوا على الغرق فقال الملاحون: إن فيكم عاصيًا وإلا لم يحصل في السفينة ما نراه فقال التجار: قد جربنا مثل هذا فإذا رأيناه نقترع فمن خرجت عليه نغرقه في البحر فلأن يغرق واحد خير من غرق الكل، فخرج من بينهم يونس فقال: يا هؤلاء أنا العاصي وتلفف في كسائه ورمى بنفسه فالتقمه الحوت، وأوحى الله تعالى إلى الحوت لا تكسر منه عظمًا ولا تقطع منه وصلًا، ثم إن الحوت خرج إلى نيل مصر ثم إلى بحر فارس ثم إلى البطائح ثم إلى دجلة وصعد به ورماه في أرض نصيبين بالعراء وهو كالفرخ المنتوف لا شعر ولا لحم، فأنبت الله تعالى عليه شجرة من يقطين فكان يستظل بها ويأكل من ثمرها حتى اشتد، ثم إن الأرضة أكلتها، فحزن يونس لذلك حزنًا شديدًا، فقال:
يا رب كنت أستظل تحت هذه الشجرة من الشمس والريح وأمص من ثمرها وقد سقطت فقال: يا يونس تحزن على شجرة أنبتت في ساعة ولا تحزن على مائة ألف إو يزيدون تركتهم فانطلق إليهم، فانطلق إليهم وذلك قوله تعالى: {وأرسلناه} أي: بعد ذلك كقبله إلى قومه بنينوى من أرض الموصل {إلى مائة ألف أو يزيدون} قال ابن عباس: إن أو بمعنى الواو، وقال مقاتل والكلبي: بمعنى بل، وقال الزجاج: على الأصل بالنسبة للمخاطبين، واختلفوا في مبلغ الزيادة فقال ابن عباس ومقاتل: كانوا عشرين ألفًا، ورواه أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الحسن: بضعًا وثلاثين ألفًا، وقال سعيد بن جبير: تسعين ألفًا.
فإن قيل: الشجر ما له ساق واليقطين مما لا ساق له كما قال تعالى: {والنجم والشجر يسجدان}.
أجيب: بأن الله تعالى جعل لها ساقًا على خلاف العادة في القرع معجزة له عليه السلام ولو كان منبسطًا على الأرض لم يمكن أن يستظل به قال مقاتل بن حبان: كان يونس عليه السلام يستظل بالشجرة وكانت وعلة تختلف إليه فيشرب من لبنها بكرة وعشيًا حتى اشتد لحمه ونبت شعره.
وروي أن يونس عليه السلام كان يسكن مع قومه فلسطين فغزاهم ملك وسبى منهم تسعة أسباط ونصفًا وبقي سبطان ونصف، وكان قد أوحى الله تعالى إلى بني إسرائيل إذا أسركم عدوكم أو أصابتكم مصيبة فادعوني أستجب لكم، فلما نسوا ذلك وأسروا أوحى الله تعالى بعد حين إلى نبي من أنبيائهم أن اذهب إلى ملك هؤلاء الأقوام وقل له: يبعث إلى بني إسرائيل نبيًا، فاختار من بني إسرائيل يونس عليه السلام لقوته وأمانته فقال يونس: الله أمرك بهذا؟ قال: لا ولكن أمرت أن أبعث قويًا أمينًا وأنت كذلك، فقال يونس: في بني إسرائيل من هو أقوى مني فلم لم تبعثه؟ فألح الملك عليه فغضب يونس منه وخرج حتى أتى بحر الروم فوجد سفينة مشحونة فحملوه فيها فلما أشرف على لجة البحر أشرفوا على الغرق فقال الملاحون: إن فيكم عاصيًا وإلا لم يحصل في السفينة ما نراه فقال التجار: قد جربنا مثل هذا فإذا رأيناه نقترع فمن خرجت عليه نغرقه في البحر فلأن يغرق واحد خير من غرق الكل، فخرج من بينهم يونس فقال: يا هؤلاء أنا العاصي وتلفف في كسائه ورمى بنفسه فالتقمه الحوت، وأوحى الله تعالى إلى الحوت لا تكسر منه عظمًا ولا تقطع منه وصلًا، ثم إن الحوت خرج إلى نيل مصر ثم إلى بحر فارس ثم إلى البطائح ثم إلى دجلة وصعد به ورماه في أرض نصيبين بالعراء وهو كالفرخ المنتوف لا شعر ولا لحم، فأنبت الله تعالى عليه شجرة من يقطين فكان يستظل بها ويأكل من ثمرها حتى اشتد، ثم إن الأرضة أكلتها، فحزن يونس لذلك حزنًا شديدًا، فقال: يا رب كنت أستظل تحت هذه الشجرة من الشمس والريح وأمص من ثمرها وقد سقطت فقال: يا يونس تحزن على شجرة أنبتت في ساعة ولا تحزن على مائة ألف إو يزيدون تركتهم فانطلق إليهم، فانطلق إليهم وذلك قوله تعالى: {وأرسلناه} أي: بعد ذلك كقبله إلى قومه بنينوى من أرض الموصل {إلى مائة ألف أو يزيدون} قال ابن عباس: إن أو بمعنى الواو، وقال مقاتل والكلبي: بمعنى بل، وقال الزجاج: على الأصل بالنسبة للمخاطبين، واختلفوا في مبلغ الزيادة فقال ابن عباس ومقاتل: كانوا عشرين ألفًا، ورواه أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الحسن: بضعًا وثلاثين ألفًا، وقال سعيد بن جبير: تسعين ألفًا.
{فآمنوا} أي: الذين أرسل إليهم عند معاينة العذاب الموعودين به {فمتعناهم} أي: أبقيناهم بما لهم {إلى حين} أي: إلى انقضاء آجالهم.
تنبيه:
قال البيضاوي: ولعله إنما لم يختم قصته وقصة لوط عليهما السلام بما ختم به سائر القصص تفرقة بينهما وبين أرباب الشعائر الكثيرة وأولي العزم من الرسل واكتفاء بالسلام الشامل لكل الرسل المذكورين في آخر السورة وقوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {فاستفتهم} أي: استخبر كفار مكة توبيخًا لهم {ألربك البنات ولهم البنون} قال الزمخشري: معطوف على مثله في أول السورة، قال أبو حيان: وإذا كانوا قد عدوا الفصل بجملة نحو: كل لحمًا واضرب زيدًا وخبزًا من أقبح التراكيب فكيف بجمل كثيرة وقصص متباينة؟ فأجيب عنه: بأن الفصل وإن كثر بين الجمل المتعاطفة مغتفر وأما المثال الذي ذكره فمن قبيل المفردات.